Search
Close this search box.

الحلقة الأولي

لمحات من مواقف وتاريخ الشيوعيين الجنوبيين

لقد فاجأنتا صحيفة المستقبل الغراء بدعوتها لنا لحوار مفتوح حول العديد من القضايا ذات الطابع السياسي والفكري والتي تهم الشعب والوطن. المفاجأة سارة بكل المقاييس ، وما احوج القوي السياسية وكل منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة ذات النفوذ والتأثير لتعميق وترسيخ منهج الحوار في حياتنا العامة للوصل لقواسم مشتركة . فليس هنالك حزب واحد قادر بمفرده علي رص كل شعب جنوب السودان حوله ـ مع كل تنوعه وتعدده ـ وقيادته باتجاه التغيير الاجتماعي . كما ان منهج الحوار هو البديل العملي لإدمان اللجوء للعنف القانوني والبدني عند معالجة الخلافات السياسية وبديل أيضاً لكل محاولاات حسم الصراع عن طريق الانقلابات العسكرية .

          كشيوعيين جنوبيين نثمن عالياً هذه المبادرة من قبل صحيفة المستقبل ونسارع بإعلان استجابتنا للحوار بدءاً بهذه الحلقة الأولي ، والتي تهدف لتقديم لمحات من مواقف وتاريخ .الشيوعيين الجنوبيين .

          كحزب شيوعي جنوبي ، فقد خرج من رحم الحزب الشيوعي السوداني ويستند الي تجاربه والي فكره ومناهجه وخطه السياسي ، ولكن في التحليل النهائي فهو يأخذ خصوصيته كحزب يمثل فقط مصالح الكادحين في جنوب السودان ، وفي دولته المستقلة . أولي هذه الخصوصية تتمثل في الموقف من استعادة الوحدة بين السودان الشمالي والجنوبي . فالوحدة كانت هدفاً استراتيجياً للشيوعيين في الشمال والجنوب وضمن الحزب الواحد وتمثلت مبرراته في التالي :ـ

(أ) الغالبية الساحقة من كل شعب أو قومية أو أمة هي من الكادحين (عمال ، زراع ، رعاة، حرفيين ، معلمين ، صغار موظفين ، طلاب الخ) وهم بحسب طبيعتهم الطبقية لا يستغلون ولا يضطهدون احداَ . وان مصالحهم الآنية والنهائية متشابكة مع مصالح الكادحين أينما وجدوا . داخل القطر الواحد أو مع الكادحين من الشعوب الأخري. فالاستغلال والاضطهاد تتصف بها الطبقات المهيمنة علي ادوات الانتاج ومن ثم علي السلطة وهي التي تستغل وتضطهد شعوبها والشعوب الأخري  . لذلك فان وحدة الكادحين في الشمال والجنوب تمثل العمود الفقري للوحدة التي نادي بها الحزب الشيوعي السوداني وهي التي يمكن أن تمثل الخلاص من كل استغلال واضطهاد للشعب في الشمال والجنوب. وهي ليست لها صلة بالوحدة التي كانت تدافع عنها القوي التقليدية مدنية وعسكرية وبخاصةً الطفيلية الاسلاموية عبر سياسة الحديد والنار .

(ب) الفوارق العنصرية والجغرافية لاتمنع الشعوب المختلفة ان تعيش في دولة واحدة وتتحد مصالحها وأهدافها متي ما قامت العلاقات بينها علي الاحترام المتبادل للحقوق المشروعة لكل مجموعة .

(ج) الدول الموحدة تستطيع ان تتقدم بشكل أسرع وبالتالي قادرة علي تحقيق مكاسب اكبر لجماهيرها ،وتحل بنجاح اكبر بكثير من الدول الصغيرة ، المشكلات الاقتصادية ، وأعباء التنمية . وبالفعل سياسات الحكومات المتعاقبة في السودان منذ فجر الاستقلال لم تعطي أي فرصة او بصيص أمل لاستمرار الوحدة بين الشمال والجنوب بسبب سياسات التهميش وانتهكات حقوق المواطن الجنوبي مما دفع الجنوبيون للاقتراع بنسبة تقارب المئة بالمئة لصالح دولتهم المستقله بعد ان كانوا قد رفعوا رايات الفدريشن في اطار السودان الموحد بعد استغلال السودان . اليوم برزت بعد الاستفتاء وبعد اعلان استقلال جنوب السودان دعوات تنادي بالعمل لاستعادة الوحدة من قبل القوي السياسية السودانية  المعارضةرفضاً لتمزيق الوطن نحن في الحزب الشيوعي في جنوب السودان قد عقدنا مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع الحزب الشيوعي السوداني في الخرطوم بعد الاستفتاء وأعلنا فيه إنهاء عضوية الشوعيين الجنوبيين بالحزب الشيوعي السوداني ، وقيام الحزب الشيوعي بجنوب السودان وإخترنا الأستاذ / جوزيف ول مديستو أميناً عاماً . كما اصدرت اللجنة المركزية وثيقة سياسية داخلية حددت فيها الخط السياسي للحزب وجاء فيها حول إستعادة الوحدة مايلي( المناداة باستعادة الوحدة بين البلدين واطلاق الشعار في الصحافة والندوات والبيانات السياسية ، في وقت مازال الجنوبيون يبتهجون باستقلال دولتهم ويستقطبون لها التأييد الاقليمي والدولي ، وفي وقت مازالت حكومة المؤتمر الوطني في شمال السودان تتمادي  في مواقفها المعادية لشعب جنوب السودان ، في مثل هذه الظروف يمثل الحديث عن الوحدة واستعادتها إستفزازاً صارخاً لمشاعر شعب جنوب السودان ، وتجني في حقهم المشروع في تكوين دولتهم المستقله . السليم ان نواصل الدعوة لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين بالتراضي وتفويت اي فرصة للعودة لمربع الحرب . وتشديد المطالبة بابرام اتفاقية الحريات الاربع ( التنقل، الاقامة، العمل ، التمليك) . كما ندعو للتمسك بمنهج الحوار. انجاز هذه المهمات ، وبضغط الشعبين في الجنوب والشمال ، يمكن ان يؤدي الي إزالة حالة الاحتقان السائدة حالياً في العلاقة بين البلدين ويفتح الباب امام علاقات حسن جوار . وجاء في الوثيقة ايضاً :ـ

( لقد حسم هذا الجيل الصراع الدائر في السودان منذ فجر الاستقلال لصالح دولة مستقلة وذات سيادة في جنوب السودان . أما الأجيال القادمة فهي التي ستقرر وحدها وبإرادتها الذاتية استمرار هذه الدولة المستقلة أو استعادة الوحدة علي الأسس والشكل الذي تحدده هي .

          من تراثنا السياسي والفكري في الحزب الشيوعي السوداني ، الموقف من الاستعمار . هذا الموقف لم يتغير . فلاستعمار هو الاستعمار وان تغيرت اشكاله من استعمار إستيطاني الي استعمار حديث وبأزرع جديدة ( كالبنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية الخ ) فجوهره واحد لا يتغير : خدمة مصالح طبقته الرأسمالية التي لاتكتفي باستغلال الشغيلة في بلدانها فحسب وانما تتجه لاستغلال شعوب العالم  الثالث ايضاً ( أسيا ، وأفريقيا وامريكا اللاتينية) وكشيوعيين جنوبيين لن ننسي ولو للحظة واحدة ان الاستعمار هو الذي وضع سياسة التنمية غير المتوازنة بين الجنوب والشمال ( أنشأ في الشمال مشروع الجزيرة الزراعي ، خزان سنار ، السكك الحديدية ، جامعة الخرطوم مقابل مشروع انزارا للدمورية بجنوب السودان) . وقد سارت علي أثر هذه السياسة كل الحكومات المتعاقبة بعد إستقلال السودان حتي لحظة إعلان إستقلال جنوب السودان . والإستعمار هو الذي خطط لسياسة الأجر غير المتساوي للعمل المتساوي بين العاملين في الجنوب والشمال ، وهو الذي تسبب في الاحجاف الذي أصاب الجنوب في السودنة ( 6 وظائف من مجموع 800 وظيفة ) وهو الذي فرض ضربية الدقنية علي الجنوبيين .وهو يسعي الآن ليدفع جنوب السودان ليدور في فلكه في إطار سياسة إقتصاد السوق والتي يمكن أن نلخصها في الاتي :ـ

          ـ بيع ممتلكات الدولة ومؤسساتها وباسعار تقل عن اسعارها الحقيقية لصالح القطاع الخاص ( وهذه السياسة تخلق شريحة صغيرة من المجتمع تستحوز علي كل شئ تقريباً وتترك القسم الأكبر من المجتمع الجنوبي يعيش تحت خط الفقر ) . 

ـ فتح الباب علي مصرعيه لتدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في رسم السياسة الاقتصادية الوطنية للبلد المعين بما يمكنه من فرض توجيهاته وشروطه والتي تتمثل في :ـ تخفيض العمالة ( التشريد )

ـ عدم رفع الأجور والمرتبات رغم تزايد التضخم وارتفاع الاسعار مما يؤدي لتدني مستوي المعيشة ـ تخفيض او تعويم سعر العملة الوطنية ـ رفع الدعم الحكومي عن المواد التموينية ـ ان تقلل الدولة او تلغي تماماً الدعم الذي تقدمه للمنتجين في بلدها .

          وقد شاهدنا نتيجة هذه السياسة في شمال السودان علي يد سلطة المؤتمر الوطني التي سارت في طريق بيع ممتلكات الدولة للمحاسيب وأعضاء حزبها الحاكم في القطاع الخاص (مشروع الجزيرة ، السكة حديد ، المستشفيات ، الطيران المدني ، الجهاز المصرفي الخ ).وتوجيهات عمرالبشير الأخيرة ألا يترك شئ لصالح قطاع الدولة ( القطاع العام ) وستبقي تحت سيطرة الدولة فقط الأجهزة الأمنية التي تحمي بها هذا النشاط  الطفيلي . وتركت 95% من شعب السودان يعانون من العوز والحرمان . الماركسية أحد أهم ما ورثناه من الحزب الشيوعي السوداني ، وقد انتصر لها المؤتمر الخامس . فدوائر كثيرة في داخل السودان وخارجه كانت تنتظر ان ينبذ المؤتمر الخامس الماركسية ويغير الحزب الشيوعي اسمه . ولكنها أصيبت بالاحباط بعد ان تمسك المؤتمرون بالماركسية وبالاسم التاريخي  للحزب . وفي الواقع فالماركسية ليست عقيدة جامدة محشوة بحقائق نهائية ويتمشدق بها الشيوعيون انما هي منهج لدراسة الواقع الملوس بهدف معرفته واستيعابه وتغييره , وهو منهج لا يعرف النهائية والاكتمال والحقيقية المطلقة . وهو ينظر للظواهر( السياسة ، الاقتصادية ، الاجتماعية الخ ) في حركتها وتطورها وترابطها وبذهن مفتوح بدون وضع نتائج مسبقة تحقق رغباتنا . وهذا مايميز الماركسية ومنهجها الجدلي عن بقية الفلسفات السابقة لها وبأن الماركسية تسعي لفهم العالم من أجل تبديله . يقول ماركس ( كل ما  قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة بيد ان القضية هي تغيره) ولاغني للمناضلين الثوريين الذي يهدفون الي تغيير وتجديد مجتمعهم الي الأفضل من الاشترشاد بمنهج الماركسية . والمهمة التي تواجهنا ـ نحن الشيوعيين الجنوبيين هو إجادة إستخدام المنهج الجدلي للماركسية لدراسة واقع مجتمع جنوب السودان بغرض معرفته واستيعابه ووضع سياسات تهدف لتغيير واقعه نحو الأفضل    .

وبالإستناد الي الماركسية توصل الشيوعيون السودانيون في مرحلة ما قبل الاستقلال (1954) وبعد دراسة موضوعية لواقع السودان الي الاتي :ـ

ـ الجنوب منطقة شديدة التخلف اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بسبب سياسة التهميش والتطور غير المتوازي بين شقي القطر .

ـ المشكلة القومية في الجنوب جزء من المشكلة العامة في السودان وحلها لا يتم الا في اطار الحل الشامل لمشاكل البلاد وليس بمعزل عنها .

ـ الحكم الذاتي الاقليمي في اطار السودان الموحد هو الحل المناسب للوضع في الجنوب وقد جاء بيان 9 يونيو والمستمد من البرنامج السياسي للحزب الشيوعي والذي  صاغة الشهيد جوزيف قرنق واعلنه نميري كسياسة رسمية للدولة ، جاء ليضع تلك السياسة في شكل برامجي وعلي النحو التالي:ـ

ـ وضع برنامج اقتصادي اجتماعي ثقافي للجنوب وانشاء لجنة خاصة للتخطيط الاقتصادي في الجنوب ـ توفير وضمان الديمقراطية الكاملة للجماهير في الجنوب ـ تدريب كادر متمرس لتولي المسئولية ـ تعيين وزير لشئون الجنوب لقد شارك الرعيل الاول من الشيوعيين الجنوبين في التوصل لهذا الحل مع زملائهم في الشمال وعلي رأسهم جوزيف قرنق بابيتي اجاوين ، هلري بول لوقالي ، قبل ان يغادر صفوف الحزب بعد اكتوبر 1964م . ان أحداث 1955م كانت تعبيراً عن مظالم اقتصادية وسياسية وثقافية ، أرس قاعدتها الاستعمار البريطاني . الحكومة أنذاك لم تتعمق في جوهر هذه المشكلة وانما إكتفت بمظهرها الخارجي فقط ( اللجوء للعنف) وسارعت في عقد المحاكمات المتعجلة وأنزلت بحق قادة الأحداث عقوبات قاسية . وقد فات عليها انها بذلك ترسي لأزمة وطنية عميقة وشاملة تشل قدرات السودان بأسره وليس قدرات الجنوب وحده.

لقد أصدرت الجبهة المعادية للاستعمار ( الحزب الشيوعي فيما بعد) في العام 1954 وقبل عام من أحداث توريت البيان التالي :ـ ؤ

( أن المشكلة الناشئة في جنوب السودان مردها الي حقيقة أن تلك القوميات كانت تعاني تأخراً شديداً في الفترة الماضية وقبل ستين عاماً كان أهلها يؤخذون ليباعوا في سوق الرقيق . وقد ساعد الاستعمار البريطانية الذي يعمل وفق  سياسة ( فرق تسد) ساعد علي تركها علي تأخرها حتي يستغل تلك الفوارق لإطالة أمر بقائه .

أننا نواجه المشكلة بهذه الحقيقة ونري ان حلها يكون بإعطاء القوميات الجنوبية المتطلعة للتقدم الأن حق الاختيار في وضع مشكلة ادارتها الداخلية في حدود القطر الواحد وقيام حكومة ذاتية لها برلمان الخاص وحكامها الخاصون .ان نظام الحكم الذاتي ليس أمراً جديداً بل هو موجود في دول عديدة . وهو لا يعني إضعاف الصلة بين أجزاء القطر الواحد بل علي العكس فهو يقويها لأنه يحل مشكلة يستعصي حلها بدون ذلك . والحكومات الذاتية داخل القطر الواحد تختص بمعالجة المسائل الداخلية وتتمثل في البرلمان العام وفي الحكومة المركزية. أما بالنسبة للموقف بين القوميات السودانية الاخري في شمال البلاد فاذا جاء وقت ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعاً معيناً من الحكم الذاتي فيجب ان ينفذ . ان الجبهة المعادية للاستعمار تؤكد علي حق الجنوبيين في تكييف أوضاعهم في حكم ذاتي وفق ارادتهم وقد طالبت الحكومة بإتخاذ إجراءا ـ عادلة لتطور الجنوب نحو الحكم الذاتي في نطاق السودان الموحد جاء فيها .

ـ حماية القوميات الجنوبية من القهر القومي .

ـ إلغاء ضزبية الدقنية التي فرضها الاستعمار علي الجنوبيين لكونها مظهراً من مظاهر الرق .

ـ اعتماد سياسة الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين العاملين في الجنوب والشمال بغرض ترقيه أحوال الجنوبيين .

ـ النهوض بالمستوي المعيشي والثقافي والاجتماعي  للجنوب .

ـ رفع حالة الطوارئ في الجنوب قبل وقت كافي من بدء عمليات تقرير المصير (مرحلة الحكم الذاتي 1953 /1956م ) .

ـ ان يعلن البرلمان حق المديريات الجنوبية في الحكم الذاتي وتنظيم قوانينه المحلية بوصفه حقاً طبيعاً لدي الجنوبيين واحترام إرادتهم وفي ابريل 1955 ـ قبل اربعة أشهر من أحداث توريت ـ جاء في مذكرة الجبهة المعادية للاستعمار للحكومة الوطنية ماياتي:ـ

لم تضع الحكومة سياسة صحيحة لتطوير القومية في الجنوب نحو الحكم الذاتي وأتخذت اجراءات سطحية كتعيين بعض الوزراء الجنوبيين . وبهذا خلقت الحكومة ظروفاً ملائمة لنسف وحدة البلاد واضعاف الكفاح الوطن كما واصلت إهدار حقوق الجنوبيين  .

          لقد شارك الحزب الشيوعي في اصدار القرار التاريخي بالاعتراف الرسمي بوجود مشكلة قومية في جنوب البلاد وضرورة حلها سلمياً وذلك لاول مرة في تاريخ الحركة السياسية السودانية وذلك بدفع وتأثير ثورة اكتوبر . وقد لعب الحزب الشيوعي دوراً مثابراً في اللجنة التحضرية لمؤتمر المائدة المستديرة ، وفي المؤتمر نفسه . وعندما تراجعت حكومة الأحزاب التقليدية عن تنفيذ توجيهات المؤتمر انسحب من لجنة الاثني عشر التي شكلها المؤتمر والمتعلقة بتنفيذ توصياته .

 بتأثير ثورة اكتوبر 1964م ومن ثم بيان 9 يونيو علي وجه التحديد ساد مناخ صحي ساعد علي نمو منظمات المجتمع المدني . فعلي المستوي السياسي تأسس في عام 1967م حزب الجنوب الديمقراطي ( تحالف الشيوعي والديمقراطي الجنوبي) 

وتبني :ـ

ـ شعار الحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب ، ودعا لتطبيق الحكم الذاتي الاقليمي

ـ وحدة الوطن علي أسس العدالة والمساواة .

ـ اشاعة الديمقراطية واطلاق الحريات العامة

ـ تجاوز التخلف بتنمية متوازنة .

ـ مناهضة الاستعمار بشكليه القديم والحديث .

ورغم حداثة تكوينه ، شارك حزب الجنوب الديمقراطي في انتخابات 1986م . وفاز مرشحوه الثلاثة رغم قصر المدة بين تأسيسه ومشاركته في الانتخابات العامة المركز الثاني في كل من واو ( جوزيف قرنق) الامين العام للحزب ملكال ( أدينق المك) رئيس الحزب وفي جوبا( قبريال اشوص دينق) نائب الرئيس ولكن انقلاب مايو 1969م لم يسمح باستمرار الحزب ونموه .

بعد اعلان بيان 9 يونيو وتأسيس وزارة شئون الجنوب ، قاد جوزيف قرنق حملة واسعة لشرح البيان وتعبئة الجماهير الجنوبية حوله ، كما استقطب دوائر كبيرة من الرأي العام في غرب اوربا وامريكا وكندا لدعم الحل الديمقراطي السلمي ، كما ابدي استعداده لعقد مناقشات مع قادة انيانيا (1) في اي منبر يطلبونه في اوربا كما قدم ضمانات حازمة لدخولهم السودان لاجراء مناقشات مع الحكومة والعودة للخارج ان ارادوا دون اية قيود .

          وفي الأجواء الصحية التي خلقها بيان 9 يونيو عبأت المنظمات النقابية والجماهيرية والجباه الديمقراطية وسط الطلاب قواها وأرسلت بممثلين عنها للمساعدة في عملية بناء الحركة الديمقراطية في الجنوب دون تدخل من الدولة . كما بادر العشرات من الموظفين والمهنيين والعمال الشيوعيين والديمقراطيين بطلب نقلهم للعمل في الجنوب . وقد انتعشت بذلك الحياة السياسية في الجنوب مما ساعد الشيوعيين الجنوبيين وحلفائهم الديمقراطيين من بناء التنظيمات النقابية والجماهيرية والتي حققت العديد من المكاسب لأعضائها إلا أن بيان 9 يونيو ما كان له أن ينفذ بمعزل عن تطور الديمقراطية في السودان . وبتراجع سلطة مايو عن الشعارات الديمقراطية التي رفقها في البداية لكسب الجماهير ولخوفها من اتساع حركة الجماهير في نفس الوقت ، وضعت معوقات عديدة امام تنفيذه . وبعد أحداث يوليو 71م سارعت سلطة ماية لتصفية بيان 9 يونيو .

 مع تطور الصراع من أجل حل المشكلة القومية وما وصله علي عهد سلطة الانقاذ التي رفعت شعار الجهاد ومارست الابادة الجماعية ، تطور فكر الحزب الشيوعي وتبني شعار حق تقرير  المصير . فهو شعار ديمقراطي يعطي الشعوب الحق في ان تقرر مصيرها بنفسها في إستفتاء تتوفر له ضمانات النزاهة . وقد دافع عنه الحزب الشيوعي في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية وتبناه التجمع الوطني الديمقراطي كأحد أهم أهدافه وآليته هو الاستفتاء الشعبي في جنوب السودان يسبقه إستفتاء في منطقة أبيي ليقرر أهله الانضمام لشمال بحر الغزال أو الاستمرار ضمن ولاية جنوب كردفان . وبعد الوصول لإتفاقية السلام الشامل كان واضحاً ان أي إخفاق في تنفيذ إتفاقية السلام او تقاعس الحكومة المركزية يمر دورها تجاه التصدي الاوضاع الجنوب وتحسينها  سيقود الاقتراع الجنوبيين لصالح دولتهم المستقلة وليس اعطاء الاولوية للوحدة كما جاء في مقررات أسمر للقضايا المصيرية وفي اتفاقية السلام الشامل . بل ربما يصدر برلمان الجنوب قراراً باستقلال جنوب السودان دون إستفتاء . وأكدت مماحكات نظام الانقاذ ومماطلته في تنفيذ اتفاقية السلام صحة هذه التقديرات واقتراع الجنوبيين بما يشبه الاجماع لصالح دوله جنوب السودان  .

شجب وإدانات:ـ

سياسات الحكومات المتعاقبة علي السلطة في السودان منذ فجر الاستقلال والمعادية للجنوب وشعبه ووجهت بالشجب والادانات من قبل الحزب الشيوعي وبما أن الشيوعيين الجنوبيين قد شاركوا في نقد هذه السياسات وإدانتها وفي المساهمة في إتحاذ تلك القرارات فيصبح ذلك جزء من تاريخهم ونجملها في الاتي:ـ

ـ المحاكمات الجائرة بحق قادة أحداث توريت 1955م .

ـ إغتيال القوات المسلحة للقائد الجنوبي البارز وليم دينق .

ـ قمع التظاهرات السلمية التي رفضت تغيير العطلة الاسبوعية من الاحد الي الجمعة، فرض التعريب والأسلمة ، تغيير موقع مصفاة البترول من بانتيو الي كوستي ، الموقف من قناة جونقلي .

ـ المجازر الجماعية في واو وجوبا .

ـ ضرب القري بالطائرات .

ـ قمع المواكب الاحتفالية للجنوبيين بذكري مولد السيد المسيح عليه السلام بالعاصمة القومية

ـ اجراء محاكمات صورية لمواطنين في مدينة جوبا بحجة ان لهم صلة بالتمرد وتصفيتهم جسدياً .

ـ قرار تقسيم الجنوب الي ثلاثة أقاليم.

ـ سياسة رفع ميزانية وزارة الدفاع بقصد مواصلة أعمال القمع في الجنوب بدلاً من رفع ميزانية الوزارات ذات الصلة بالتنمية .

ـ الممارسات الحديثة للرق .

ـ ايدلوجية سلطة 17 نوفمبر تجاه تهميش واحتقار البنية الثقافية واللغوية والدينية للاقليم الجنوبي .

ـ سياسة إطلاق أيدي القوات المسلحة وأجهزة الأمن لحرق القري ولقصف الغابات وممارسة القتل الجماعي تحت دعاوي البحث عن المتمردين والمتعاطفين معهم حتي صار جنوب السودان مساحة كبري لخرق حقوق الانسان .

ـ قيام انتخابات في الشمال دون الجنوب بعد انتهاء الفترة الانتقالية في العام 1965م بحجة عدم استتباب الأمن في الجنوب .

ـ سياسة الدولة الرسمية الاقتصادية تجاه الجنوب مؤكداَ ان ما تصرفه الحكومة علي قوات الجيش والبوليس والسجون والادارة الأهلية في الجنوب لم يترك شيئاً يذكر في الميزانية للصرف علي التعليم والصحة وتحسين مستوي الحياة في الجنوب .

          من بين تراثنا السياسي والفكري ايضاً قضية الثورة الوطنية الديمقراطية . فشعوب بلدان العالم الثالث بعد ان انتصرت ثوراتها من أجل التحرر الوطني ومن أجل الاستقلال . دخلت مرحلة ثورية جديدة هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . وتعني هنا أن الثورة مازالت مستمرة لتحويل الواقع المتردي الذي خلفه الاستعمار الي واقع افضل . وهي مسألة لاتقل في أهميتها وتعقيداتها ومصاعبها عن مرحلة الكفاح من أجل التحرر .ووطنية لأن القوي التي ستواصل قيادة هذه المرحلة هي قوي وطنية معادية للاستعمار . وديمقراطية لأن طبيعة قضايا هذه المرحلة . هي ديمقراطية وليست اشتراكية . وهي بنظر الشيوعيين هي المرحلة التي تسبق مرحلة التحول الاشتراكي ونسميها قضايا مابعد الاستقلال. ونختصر المرحلة أحياناً بتسميتها مرحلة الثورة الديمقراطية . علي رأس قضايا ما بعد الاستقلال تأكيد الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي . فليس هنالك استقلال سياسي بدون استقلال اقتصادي . وقبل اكتشاف البترول كانت قمم الاقتصاد تتمثل في التجارة الخارجية والجهاز المصرفي . ولابد أن تكونا بيد الدولة .ثم إجراء اصلاحات زراعية لصالح صغار ومتوسطي المزارعين تحت شعار الأرض لمن يفلحها . معالجة مشاكل القوميات بتأمين الحقوق الكاملة لكل القبائل والشعوب والاقليات القومية في حكم مناطقها وفي المشاركة في صنع القرار  علي المستوي القومي . الثورة الثقافية بدمقرطة التعليم ( بنين وبنات) ومحو عار الأمية لجر أغلبية المجتمع في الصراع من أجل التغيير . مع التوسع المستمر في قاعدة التعليم العام وبعث تراث كل القوميات وادخال موروثاتها ثقافاتها ولغاتها الي دائرة النور . تحرر المرأة من خلال مساواتها التام مع الراجل وتحررها من التهميش والاضطهاد والتمييز والتبعية للرجل . ووقف العنف  ضدها وتمييزها ايجابياً . انجاز تنمية متوازنة وشاملة بين كل المناطق . ادارة أهلية منتخبة ونظام حكم مدني ديمقراطي . مواصلة الكفاح ضد الاستعمار بكل أشكاله ومن أجل السلم العالمي . كل القوي التي تؤمن بهذا البرنامج وتناضل في سبيله تتشكل في جبهة وطنية ديمقراطية عريضة وتقود البلاد نحو التغيير الاجتماعي . ومنذ فجر  الاستقلال يناضل الشيوعيون من أجل بناء هذه الجبهة مع الاخرين . وكنا ننجح هنا ونخفق هناك ولازال النضال مستمراً.وسنواصل نحن ـ الشيوعيون الجنوبيون ـ ذلك الجهد مع كل القوي ذات التوجه الديمقراطي من أجل وقف التدهور في حياة الجنوبيين ووضع جمهورية جنوب السودان في طريق التقدم .

طبيعي ان ننهي هذه اللمحات بالحديث عن علاقتنا بالحركة الشعبية ولكي نضعها في حجمها الحقيقي . فهنالك كثيرون أطلقوا خيالهم كيفماشاء لهم . بمجرد إصدار الحركة الشعبية لبرنامجها السياسي( المنفستو) في عام 1983م وحصولنا علي نسخة منه ودراستنا له . أعلنا تأييدنا للحركة لتوجهاتها الاشتراكية ولوقوفها في خندق واحد مع كل القوي المنادية باستعادة الديمقراطية في السودان . بادر الحزب بارسال وفد ليعلن للحركة تأييدنا لحركتهم ولخطهم السياسي وكان ذلك في العام 1984م . وبعد الانتفاضة 1985م ارسل الحزب وفداً قابل الشهيد قرنق ونقل له موقفنا المؤيد للانتفاضة رغم كل النواقص التي صاحبتها كما ارسل الحزب بعض من عناصره للحركة تضامناً معها وكان أبرزهم قبريال أشوص دينق الذي دشن مكتب الحركة في كوبا  وهتلر لومري الذي قاد معظم معارك قوات الحركة في الاستوائية في سنواتها الاولي قبل أن يستشهد . وتيافلوص الذي عمل لعدة سنوات في اذاعة الحركة الخاصة باللغة الانجليزية ولغة الباريا . وقد انضمت بعض عناصر الحزب في المناطق المختلفة في جنوب السودان للحركة وفي وقت لم يكن هنالك بديل غير الانضمام للحركة مع استداد المعارك . بعد قيام التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج وتأسيس الشيوعيين لمعسكرهم وصل التعاون والتفاهم بين الحركة والشيوعيين مدي بعيداً . وبعد اعلان اتفاقية السلام الشامل والعودة ( طلع كل واحد في شجرتو) .

ختاماً

          منذ فجر الاستقلال وحتي اليوم ، واصل الشيوعيون الجنوبيون نشاطاهم في الجنوب رغم كل الظروف السياسية وتقلباتها . حاولنا ان نفتح نوافذ هنا وهناك ليطل منها المواطن الجنوبي علي مانطمح إليه من واقع جديد في جنوب السودان وساهمنا مع الآخرين في بناء ادوات العمل الديمقراطي . ولكن كانت تواجهنا عقبات لاحصر لها . وهي لازالت باقية تنتظر ان نتجاوزها ، ليس بجهدنا الذاتي فقط ولكن بجهد المجتمع والدولة . الانظمة العسكرية كانت بمثابة العائق الرئيسي وتحول جنوب السودان دوماً لمنطقة عمليات عسكرية تضيق من مساحة الحركة ثم الأمية والسطوة الفكرية للقبيلة . غياب تنظيمات المجتمع المدني ، وغياب المكتبات ، غياب الاندية الثقافية والمنتديات . وفي المدارس اختفت مكتبات الفصول والمسارح ضعف دور المرأة والشباب في المجتمع غياب صحافة حرة .هذا الواقع المتردي خلق صعوبات حقيقة أمام ازدهار أي نشاط يدعو للتقدم والتغيير الجزري للمجتمع . ولهذا السبب مازال التيار الديمقراطي في الجنوب ضعيفاً في مجري الحركة السياسة الجنوبية بسبب ضعف القاعدة الاجتماعية التي يستند إليها . الا أن إمكانيات التطور بعد انتهاء الحرب واشاعة السلام والديمقراطية والنجاح الذي يمكن أن يتحقق في مجال التنمية ، ستكون انعكاساتها ايجابية علي الاوضاع في الجنوب وعلي قواه الديمقراطية . 

                                                   السكرتارية المركزية

للحزب الشيوعي في جنوب السودان

                                                       28/4/2012م